الراجح الذي عليه جمهور العلماء أن ليلة القدر تكون في شهر رمضان، وأنها في العشر الأواخر منه، وأما تحديدها في العشر الأواخر فمختلف فيه تبعًا لاختلاف الروايات الصحيحة، والأرجح أنها في الليالي الوتر من العشر الأواخر، وأرجح ليلة لها هي ليلة السابع والعشرين.
وفضلها عظيم لمن أحياها، وإحياؤها يكون بالصلاة، والقرآن، والذكر، والاستغفار، والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وصلاة التراويح في رمضان إحياء لها.
يقول فضيلة الشيخ سيد سابق رحمه الله:
للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة؛ فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر.
وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين، روى أحمد -بإسناد صحيح- عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله : "من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين". وروي مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه، عن أبيِّ بن كعب أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان -يحلف ما يستثني- والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها".
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
قد نَوَّه القرآن، ونَوَّهَت السُّنَّة بفضل هذه الليلة العظيمة، وأنزل الله فيها سورة كاملة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5].
عَظَّمَ القرآنُ شأنَ هذه الليلة، فأضافها إلى (القدر) أي المقام والشرف، وأيُّ مقام وشرف أكثر من أن تكون خيرًا وأفضل من ألف شهر! أي الطاعة والعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
وألف شهر تساوي ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر، أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف.
وهي ليلة تتنزَّل فيها الملائكة برحمة الله وسلامه وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر. وفي السُّنَّة جاءت أحاديث جمة في فضل ليلة القدر، والتماسها في العشر الأواخر؛ ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"[1].
ويحذر النبي من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها، فيحرم المسلم من خيرها وثوابها، فيقول لأصحابه، وقد أظلهم شهر رمضان: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم"[2].
وكيف لا يكون محرومًا من ضيّع فرصة هي خير من ثلاثين ألف فرصة؟
إن من ضيع صفقة كان سيربح فيها 100% يتحسر على فواتها أيّما تحسر، فكيف بمن ضيع صفقة كان سيربح فيها 3000000% ثلاثة ملايين في المائة؟!
أي ليلة هي؟
ليلة القدر في شهر رمضان يقينًا؛ لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، وهو أنزل في رمضان، لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
والواضح من جملة الأحاديث الواردة أنها في العشر الأواخر؛ لما صح عن عائشة قالت: كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان"[3].
وعن أبي سعيد أن النبي ، خرج إليهم صبيحة عشرين فخطبهم، وقال: "إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها -أو نسيتها- فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر"[4].
ومعنى (يجاور): أي يعتكف في المسجد. والمراد بالوتر في الحديث: الليالي الوترية، أي الفردية، مثل ليالي: 21، 23، 25، 27، 29.
وإذا كان دخول رمضان يختلف -كما نشاهد اليوم- من بلد لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.
ويتأكد التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان؛ فعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي رأوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله : "أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت) في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر"[5]. وعن ابن عمر أيضًا: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي"[6].
والسبع الأواخر تبدأ من ليلة 23 إن كان الشهر 29، ومن ليلة 24 إن كان الشهر 30 يومًا.
ورأي أبي بن كعب وابن عباس من الصحابة أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وكان أُبَىُّ يحلف على ذلك لعلامات رآها، واشتهر ذلك لدى جمهور المسلمين، حتى غدا يحتفل بهذه الليلة احتفالاً رسميًّا.
والصحيح: أن لا يقين في ذلك، وقد تعددت الأقوال في تحديدها حتى بلغ بها الحافظ ابن حجر 46 قولاً. وبعضها يمكن رَدُّه إلى بعض. وأرجحها كلها: أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل، كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين، وعند الجمهور ليلة سبع وعشرين[7].
ولله حكمة بالغة في إخفائها عنا، فلو تيقنا أي ليلة هي لتراخت العزائم طوال رمضان، واكتفت بإحياء تلك الليلة، فكان إخفاؤها حافزًا للعمل في الشهر كله، ومضاعفته في العشر الأواخر منه، وفي هذا خيرٌ كثير للفرد وللجماعة.
وهذا كما أخفى الله تعالى عنا ساعة الإجابة في يوم الجمعة، لندعوه في اليوم كله، وأخفى اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب؛ لندعوه بأسمائه الحسنى جميعًا[8].
روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين (أي تنازعا وتخاصما)، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت (أي من قلبي فنسيت تعيينها)، وعسى أن يكون خيرًا لكم".
لا تحرم نفسك الأجر وساهم في نشرها ,, لتكن لك صدقة جارية
وتذكر الدال على الخير كفاعله
ولا تنسونا والمسلمين من صالح دعائكم في ليلة القدر والعشر الاواخر من رمضان
[1]رواه البخاري في كتاب الصوم.
[2]رواه ابن ماجه من حديث أنس، وإسناده حسن كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2247).
[3]متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -726.
[4]متفق عليه، المصدر نفسه -724. وفي رواية: "ابتغوها في كل وتر" (نفسه 725).
[5]متفق عليه، عن ابن عمر، المصدر السابق -723.
[6]رواه أحمد ومسلم والطيالسي عن ابن عمر، كما في صحيح الجامع الصغير (1242).
[7]ابن حجر: فتح الباري 5/171 ط. الحلبي.
[8] موقع إسلام أون لاين، الرابط: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1109471505580&pagename=Isl...
هل أعجبك الموضوع؟ شارك! ↓